السؤال : فضيلة الشيخ لنا إمام مسجد يقول : إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان ، كأن يقول : اغفر لي يا رب ببركة فلان ـ أي أحد الصالحين مثلاً ـ فهل هذا نوع من الشرك ؟ علماً بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهياً إلا إذا سألناه ، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله
"هذا ليس من الشرك ، ولكنه من وسائل الشرك ، وهو التوسل ببركة فلان ، أو بحق فلان ، أو جاه فلان ، أو ذات فلان ، هذا من وسائل الشرك ، وليس من الشرك ، بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم ، لأن التوسل عبادة لابد لها من توقيف ، ولابد لها من بيان من الله عز وجل ، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه بَيَّن لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا وسائل العبادة ، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه ، كما قال سبحانه : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180 ، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى ، وهكذا التوسل بالتوحيد : اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت ، كما جاء في الحديث . وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات ، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله ، وبمحبته لله ورسوله ، وبره بوالديه ، وبأدائه الأمانة ، وبعفته عن الفواحش ، وبمحافظته على الصلوات ، إلى غير ذلك .
وفي هذا الباب : قصة أهل الغار ، الثابتة في الحديث الذي رواه الشيخان : البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا ، آواهم المبيت ، وفي رواية : (المطر) ، إلى غار فدخلوا فيه ، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنهم فيما بينهم قالوا : لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم ، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة ، فانفرجت الصخرة وخرجوا) . وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية .
وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم ، وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له ، أما التوسل بجاه فلان ، أو ببركة فلان ، أو بحق فلان ، فهذا لا أصل له ، ولا يجوز ، بل هو من البدع ، ولكن ليس من الشرك .
والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا صحيحة . لكن ينبغي أن يعلَّم ويوجه إلى الخير ، فإن عرف الحق وامتثل له وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره ، والواجب على المسؤولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه للمسجد حتى لا يَغُرَّ الناس .
وهكذا إذا كان يتعاطى كتب (الحجب) وهي التمائم ، فهذا أيضاً منكر ، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال : (من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له) وأخبر أنها شرك ، فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام ، ولا من الخرز ، ولا من الطلاسم ، ولا من غير ذلك .
واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين : أحدهما : الجواز ، والثاني : المنع ، والصواب : المنع ، فلا يجوز اتخاذ التمائم والحُجُب حتى ولو من القرآن في أصح قولي العلماء ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم ، وأطلق وعَمَّم ، فلا يجوز استثناء شيء من ذلك ، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق غيرها ، فينفتح الباب ، ويقع الشرك ، وسد الذرائع أمر معلوم من الشريعة ، وأصل من أصولها ، ولأن تعليقها قد يفضي إلى امتهان الآيات القرآنية ، فوجب منع ذلك .
وأما البخور فشيء آخر ، فقد تُعالج بعض الأمراض بالخور ، ولكن بعض من يدعي الطب قد يتظاهر بأشياء وعنده أشياء أخرى ، قد يتظاهر بالتمائم أو بالبخور وهو يتعاطى خدمة الجن ، وسؤال الجن ، ودعوى علم الغيب بواسطة الجن ، ومثل هذا خطره عظيم ، فالواجب أن ينكر على هذا ، وإن يوجه إلى الخير ، وأن يُعلَّم حتى يستفيد ، وحتى ينتبه لهذا الخطر ، فإن استقام وتاب إلى الله وسار على الطريق السوي وإلا فالواجب إبداله بغيره من أئمة المسلمين الذين عندهم العناية بأمر الله ، وعندهم صلاح العقيدة ، وسلامة الدين ـ والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/298 – 300) .