حديث : لا يُسْأل الرجل فيمَ ضرب زوجته ؟
اعتنقت الإسلام منذ عام ، وأنا في طور تحصيل العلم الشرعي لديننا الإسلامي ، وأنا متزوجة منذ عام والحمد لله ، سؤالي يتعلق بضرب الرجل لزوجته ، وكلما كان هناك سؤال يراودني يزعزع من إيماني فإني أسأل الله أن يهديني سواء السبيل ، والحمد لله ، فإني في النهاية أجد إجابات قاطعة لسؤالي ، مما يزيد من إيماني ، وأنا آمل وأدعو الله أن يهديني للإجابة المثلى لهذا السؤال أيضا إن شاء الله . عندما كنت أقوم بدراسة بعض الأحاديث الخاصة بالزواج أتيت على هذا الحديث : سنن أبي داود ، الكتاب الحادي عشر : النكاح ، رقم 2142: روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته ) فهل بوسعكم ـ رجاء ـ إطلاعي على ما يُقصد بهذا الحديث ، وما الموقف الذي قيل من أجله ، ولمن قيل ، ومتى ، فقد تعلمت أنه لابد من فهم خلفية الحديث ، وألا نخرج منه باستنتاجات بناء على المعنى الظاهري له . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم أنتم وجميع أفراد فريقكم خيري الدنيا والآخرة ، وأن يحفظكم جميعا من جميع شرور الدارين آمين . وجزاكم الله خيرا لوقتكم ، ولمشاركتكم إيانا معرفتكم القيمة .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لا يسعنا – وقد قرأنا الحكمة في سؤالك – إلا أن نثني على حسن السؤال ، وحسن التفكر ، وحسن التدبر ، فقد لمسنا كثيرا من الاستعداد لتقبل العلم ومدارسة المسائل ، ولا نعجب أن هداك الله عز وجل لهذا الدين القويم ، فهو الدين الوسط ، وهو الحنيفية السمحة التي تؤمن بالله وجميع رسله ، ولا تفرق بين أحد من رسله ، وأنت تملكين ـ إن شاء الله ـ من التعقل ما يجعلك قادرة على تمييز الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل ، ونرجو منك الاستمرار في طلب العلم الشرعي ، وزيادة الهمة في تحصيله ، فهو النور الذي يهدي به الله عز وجل إلى الصراط المستقيم .
ثانيا :
وأما بخصوص الحديث الوارد في السؤال ، فهو حديث مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ )
رواه أبو داود (رقم/2147) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (5/372) ، وابن ماجه (رقم/1987) وأحمد في " المسند " (1/275) وغيرهم ، جميعهم من طريق :
داود بن عبد الله الأودي ، عن عبد الرحمن المسلي ، عن الأشعث بن قيس ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه به .
قلنا : وهذا إسناد ضعيف بسبب عبد الرحمن المسلي ، لم يوثقه أحد من أهل العلم ، بل نقل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (6/304) عن أبي الفتح الأزدي إيراده له في " الضعفاء " وقوله عنه : فيه نظر . وأورد له هذا الحديث .
ولذلك حكم علماء الحديث على هذا الحديث بالضعف والرد ، منهم :
قال ابن القطان رحمه الله :
" لا يصح " انتهى.
" بيان الوهم والإيهام " (5/524)
وقال الذهبي رحمه الله :
" فيه عبد الرحمن المسلي : لا يعرف " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (2/602)
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله :
" إسناده ضعيف " انتهى.
" مسند أحمد " (1/77)
وكذا ضعفه محققو مسند أحمد في طبعة مؤسسة الرسالة ، والشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7/98)
ثالثا :
على فرض صحة الحديث ، فتفسيره عند أهل العلم تفسير مقبول وصحيح ، حاصله أنه لا ينبغي للناس أن يتدخلوا فيما لا يعنيهم ، فإذا عرف شخص بوقوع خلاف بين رجل وزوجته ، وعرف أنه خلاف شديد أدى إلى ضرب الزوج زوجته : فلا يجوز له أن يفتش عن أسرار البيوت ، ولا يتطاول ليطلع على خباياهم ، فذلك من سوء الأدب ، وقلة الذوق ، إلا إذا كان ذلك الشخص من أهل الإصلاح ، وغلب على ظنه أنه يمكنه تقديم المساعدة والمشورة لتجاوز النزاع ، فله حينئذ أن يسأل عن المشكلة وأسبابها ، بعد قبول الطرفين ورضاهما بتحكيمه وتدخله .
وأقوال الفقهاء وشراح الحديث تدل على هذا المعنى :
يقول ابن قدامة رحمه الله في بيان تعليل هذا الأثر :
" لأنه قد يضربها لأجل الفراش – أي : امتناعها عن الجماع - ، فإن أخبر بذلك استحيا ، وإن أخبر بغيره كذب " انتهى.
" المغني " (8/163)
ويقول المناوي رحمه الله :
" أي : لا يُسأل عن السبب الذي ضربها لأجله لأنه يؤدي لهتك سترها ، فقد يكون لما يستقبح ، كجماع ، والنهي شامل لأبويها " انتهى.
" فيض القدير " (6/515)
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" فصل : يكره أن يُسأل الرجل : فيم ضرب امرأته من غير حاجة : قد روينا في أول هذا الكتاب في " حفظ اللسان " والأحاديث الصحيحة في السكوت عما لا تظهر فيه المصلحة ، وذكرنا الحديث الصحيح : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) " انتهى.
" الأذكار " (ص/374)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" معني الحديث : إن الرجل المتقي الله عز وجل الذي انتهي به الأمر إلى آخر المراتب الثلاث التي أشار الله إليها في قوله : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34، فالضرب آخر المراتب ، فقد يضرب الرجل زوجته علي أمر يستحيا من ذكره ، فإذا علم تقوى الرجل لله عز وجل ، وضرب امرأته ، فإنه لا يُسأل ، هذا إن صح الحديث ، ولكن الحديث ضعيف .
أما مَن كان سيئ العشرة ، فهذا يُسأل فيم ضرب امرأته ؛ لأنه ليس عنده من تقوى الله تعالى ما يردعه عن ظلمها وضربها ، حيث لا تستحق أن تضرب " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (1/512)
وكما ذكرت ـ أيتها السائلة الكريمة ـ : إن معنى الحديث قد لا يكون كما يفهم منه لأول مرة ، خاصة إذا لم يكن عندنا العلم الكافي بباقي النصوص في الباب ؛ فالشريعة أبعد ما تكون عن أن تسمح للرجل بضرب امرأته ، بالحق أو بالباطل ، ثم تنزله منزلة من لا يسأل عن ذلك ، لتمام حقه وسلطانه ، كما قد يظنه من لم يفهم المراد بالحديث ، على فرض صحته ، وإنما الضرب ـ بحدوده الشرعية ـ هو علاج لحالة طارئة ، تتمرد فيها المرأة على مقتضى الحياة الزوجية ، بحيث تصبح عشرتها لزوجها نوعا من الحالة المرضية التي تحتاج إلى علاج ، وهنا يأتي دوره ، كما أن للجراحة المؤلمة دورها ، حين يحتاج إليها المريض :
عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ ) !!
فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ [أي: تمرد النساء على أزواجهن] ؟!
فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ .
فَأَطَافَ [ يعني : ذهبن إلى هناك ] بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ؟!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ؛ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ )
رواه أبو داود (2146) وصححه الألباني .
فانظري : كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج بإذنه في الضرب ، مشكلة اجتماعية في البيوت ، كما عالج بنهيه عنه مشكلة أخرى !!
وقد سبق في موقعنا بيان أن ضرب الزوجة الذي أذنت به الشريعة هو الضرب غير المؤثر ، الذي يكون بالسواك ، فلا يحدث أي ألم ، بل ألمه معنوي شعوري فقط ...
أختنا الكريمة ، ليس من الإنصاف لدين الله في شيء أن تعرضي إيمانك لما يزعزعه ، أو للمخاطرة بدينك ، كلما ورد عليك شيء مشكل ، أو سمعت بشبهة عن الدين ، بل احمدي الله جل جلاله أن هداك للإيمان ، وانظري في حق الله عليك ، وفيما أكرمك به من دينك الجديد ، وسوف تجدين ـ مع الوقت ، وازديادك من العلم ـ جوابا لما تحتاجين إليه في دينك .
وإذا افترضنا أنه غاب عن علمك أمر أو أمران ، مسألة أو مسألتان ، أو أكثر من ذلك أو أقل ، فليس من الإنصاف لدينك أن تجازفي به ، أو تعرضيه لما يزعزعه ، لأجل شيء يسير غاب عن فهمك .
نسأل الله أن يشرح صدرك ، ويثبت قلبك ، ويزيدك إيمانا ويقينا وهدى .
والله أعلم .