أحاديث في استحباب صيام العشر الأول من ذي الحجة
من خلال المقالة التي على موقعكم ، والمعنونة بـ" العشر الأول من ذي الحجة "، فهمت أنه يُستحب صيام يوم التاسع ، ولكن لم تذكروا ما إذا كان من السنة صيام بقية أيام العشر. وهناك أحاديث لا أدري صحتها ، تُبَيِّنُ فضل هذه الأيام ، وتحث على التزود بالطاعات فيها ، بما في ذلك الصيام . هذه الأحاديث هي كالتالي : 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر ) رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي. 2- عن حفصة رضي الله عنها قالت : ( خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن : صيام يوم عاشوراء ، وعشر من ذي الحجة ، وثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين قبل الفجر...) رواه أحمد والنسائي . فمِن هذه الأحاديث أفهم أنه ليس من السنة فقط صيام اليوم التاسع ، بل بقية العشر كذلك . فهل هذا صحيح ؟ ولماذا لم يُذكر ذلك في المقالة ؟ وهل الأحاديث المذكورة صحيحة ؟
الجواب :
الحمد لله
أما الحديث الوارد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ )
فرواه الترمذي (رقم/758)، والبزار (رقم/7816)، وابن ماجه (رقم/1728) من طريق أبي بكر بن نافع البصري ، قال: حدثنا مسعود بن واصل ، عن نهاس بن قهم ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة به .
وهذا إسناد ضعيف بسبب النهاس بن قهم ، ومسعود بن واصل ، ولذلك اتفقت كلمة علماء الحديث على تضعيفه :
قال الترمذي رحمه الله :
" هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل ، عن النهاس .
وسألت محمدا – يعني البخاري - عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا .
وقد روي عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا شيء من هذا . وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم من قبل حفظه " انتهى.
وقال البغوي رحمه الله :
" إسناده ضعيف " انتهى.
" شرح السنة " (2/624)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فيه ضعف " انتهى.
" شرح العمدة " (2/555)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" إسناده ضعيف " انتهى.
" فتح الباري " (2/534)
وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (رقم/5142)
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله – بعد أن أورد هذا الحديث وغيره في الباب - :
" وفي المضاعفة أحاديث أخر مرفوعة ، لكنها موضوعة ، فلذلك أعرضنا عنها وعما أشبهها من الموضوعات في فضائل العشر ، وهي كثيرة " انتهى.
" لطائف المعارف " (ص/262)
ثالثا :
أما الحديث الثاني الوارد في السؤال : ( خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن .. ) ، فمداره على هنيدة بن خالد الخزاعي ، وقد جاء عنه على أوجه إسنادية كثيرة ، وبألفاظ مختلفة :
الوجه الأول : هنيدة بن خالد ، عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها .
وقد رواه عنه الحر بن الصيَّاح ، ورواه عن الحر على هذا الوجه ثلاثة من الرواة :
1- عمرو بن قيس الملائي : يرويه النسائي في " السنن " (2416)، وأحمد في " المسند " (44/59)، والطبراني في " المعجم الكبير " (23/205)، وابن حبان في صحيحه (14/332)، وأبو يعلى في " المسند " (12/469) ولفظه : ( أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صِيَامَ عَاشُورَاءَ ، وَالْعَشْرَ ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ ) والراوي عن عمرو بن قيس هو أبو إسحاق الأشجعي : مجهول ، ولذلك ضعفه به محققو المسند ، والشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (4/111) .
2- وزهير بن معاوية أبو خيثمة : عند النسائي في " الكبرى " (2/135) ولفظ زهير : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، أول اثنين من الشهر ، ثم الخميس ، ثم الخميس الذي يليه )
3- وشريك : أخرجه النسائي في " الكبرى " (2/135) ، وأحمد في " المسند " (9/460) طبعة مؤسسة الرسالة، وجعله شريك من مسند ابن عمر بلفظ حديث زهير .
يقول ابن أبي حاتم رحمه الله :
" سألتُ أبِي ، وأبا زُرعة ، عَن حدِيثٍ ؛ رواهُ شرِيكٌ ، عنِ الحُرِّ بنِ الصياحِ ، عنِ ابنِ عُمر : أنَّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، كان يصُومُ مِن الشّهرِ الاثنين ، والخمِيس الّذِي يلِيهِ ، ثُمّ اثنين الّذِي يلِيهِ .
فقالا : هذا خطأٌ ، إِنّما هُو الحُرُّ بنُ صياحٍ ، عن هُنيدة بنِ خالِدٍ ، عنِ امرأتِهِ ، عن أُمِّ سلمة ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" العلل " (1/231)
وقال محققو المسند :
" إسناده ضعيف، شريك - وهو ابن عبد الله النخعي -، سيئ الحفظ ، وقد اختلف عليه في لفظ الحديث – ثم ذكروا ذلك الاختلاف - " انتهى.
" المسند " (9/460)
الوجه الثاني : عن هنيدة بن خالد ، عن امرأته ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
يرويه أبو عوانة ، عن الحر بن الصياح ، عن هنيدة ، على هذا الوجه : أخرجه أبو داود (رقم/2437)، والنسائي (2372)، (2418)، وأحمد (37/24)، (44/69)، والبيهقي في " السنن الكبرى " (4/284)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2/76) ولفظه عند أبي داود : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ، أول اثنين من الشهر والخميس )
الوجه الثالث : عن هنيدة ، عن أمه ، عن أم سلمة
من طريق محمد بن فُضَيل ، قال : حدثنا الحسن بن عُبيد الله ، عن هنيدة الخزاعي ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِصِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ : أوَّلَ خَمِيسٍ ، وَالاثْنَيْنَ وَالاثْنَيْنَ - وفىِ رواية - : كَانَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يَاْمُرُنِي أَنْ أصُومَ ثَلاثَةَ أيَّام مِنَ الشَّهْرِ : الاثْنَيْن ، وَالْخَمِيس ، وَالاثْنَيْن مِنَ الْجُمُعَةِ الأخْرَى - وفي رواية -: كَانَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرنِي أَنْ أصُومَ ثَلاثَةَ أيَامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، أوَّلُهَا الاثْنَيْنَ ، وَالْجُمُعَة ، وَالْخَمِيس )
أخرجه أحمد (44/82) ، وأبو يعلى في " المسند " (12/315) ، وأبو داود (2452)، والنَّسائي (4/221)، وليس فيه ذكر لصيام تسع ذي الحجة ، وصيام يوم عاشوراء ، بل اقتصر على صيام ثلاثة أيام من كل شهر .
الوجه الرابع : عن هنيدة ، عن امرأته ، عن أم سلمة
من طريق عبد الرحيم بن سليمان ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن الحر بن صياح ، عن هنيدة بن خالد ، عن امرأته ، عن أم سلمة – باللفظ السابق - رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (23/216)، (23/420)، وأبو يعلى في " المسند "
الوجه الخامس : عن هنيدة بن خالد ، قال : دخلتُ على أم المؤمنين – ولم يعين اسمها - .
من طريق زهير بن معاوية ، عن الحر بن الصياح ، قال سمعت هنيدة الخزاعي قال : دخلت على أم المؤمنين سمعتها تقول : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام : أول اثنين من الشهر ، ثم الخميس ، ثم الخميس الذي يليه ) يرويه النسائي (رقم/2415)
والحاصل أن نقاد الحديث اختلفوا في الحكم على هذا الحديث بسبب كل هذا الاختلاف في سنده ومتنه :
فضعف الحديثَ الزيلعي في " نصب الراية " (2/157)، ومحققو مسند أحمد ، والشيخ ابن باز – كما في " مجموع فتاوى ابن باز " (15/417) – وذلك لاضطراب سنده ومتنه ، ولعل هذا هو المتجه في الحكم على الحديث .
وصحح الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " (7/196-199) روايتي زهير بن معاوية وأبي عوانة عن الحر بن الصياح .
وجاء في " العلل " للدارقطني (15/121-122):
" وسئل عن حديث هنيدة بن خالد الخزاعي ، عن حفصة ، قالت : أربعة لم يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء ، والعشر ، وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتان قبل الغداة .
فقال : يرويه الحر بن الصياح ، عن هنيدة بن خالد الخزاعي ، عن حفصة .
وخالفه الحسن بن عبيد الله ، واختلف عنه : فرواه عبد الرحيم بن سليمان ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن أمه ، عن أم سلمة ؛ ورواه أبو عوانة ، عن الحر بن الصياح ، عن هنيدة ، عن امرأته ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يسمها " انتهى.
والله أعلم .