أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان
مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر . المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم
إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور
الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه ؟
الحمد لله
أولاً :
يجب على المسلمين احترام قبور
أمواتهم ، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة ، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل
ميت في قبر جديد .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
أسكن في قرية
على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل ،
ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا ، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة
فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا ، وبعد أن حفرت في نفس
الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت ، وجدنا قبوراً ، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل
آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من
أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان ، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا ؟ أفيدونا
أفادكم الله .
فأجاب :
"هذا العمل لا يجوز ، فما دامت الأرض فيها قبور :
فالواجب تركها ، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة ، فالواجب
أن لا يتعرض لها ، ولا ينبش القبور ، وإذا حفر ووجد القبور يتركها ، ولا يجوز للناس
أن ينبشوا القبور ، ويضعوا بيوتهم في محل القبور ، فهذا تعد على محل الموتى وظلم
للموتى لا يجوز .
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت
الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين ، واعترضه شيء من القبور ، ولا حيلة في صرف الشارع ،
فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة
هذا الشارع للمسلمين ، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة ، أما أن يأخذ الناس من المقبرة
لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى .
" فتاوى نور على الدرب " ( السؤال 119 ) .
ثانياً :
فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز
بناء المسجد مكان تلك القبور ، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها ،
وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما ، وقد
بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار .
فإذا
بني المسجد فوق قبور المسلمين : لم تجز الصلاة فيه ، ويجب هدم المسجد لأن القبور
سابقة عليه ، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك
القبور : جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه ، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة
:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت
البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها
مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي ، وبعد بناء
المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها
وانقسموا بين مؤيد ومعارض ، ما حكم هذا المسجد ؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه ؟ هل
الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا ؟ .
فأجابوا :
"الأرض التي بني عليها
مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها ، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني
عليها" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي
، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 418 ، 419 )
.
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً - :
إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة
لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م ، حيث تحطمت
جدرانه وأساساته ، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض
الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت
تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى ، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة
(البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها
ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي .
1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد ؟ .
2- إذا
كان الجواب بالنفي : فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل
الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى .
فأجابوا :
"إذا
كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور : فالواجب نبش القبور التي وضعت في
جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر ، وإن كانت من المسلمين : فتنتقل إلى
قبور المسلمين ، وإن كانت قبور كفار : نقلت إلى مقابر الكفار ، على أن يوضع رفات كل
ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن ، فإن تعذر نقل
الرفات من غربي المسجد : فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد .
أما
إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور : فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها
المسجد ، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن
عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى
اللجنة الدائمة " ( 1 / 419 – 421 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
:
"وإذا كان في المسجد قبر : وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى
مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة ؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد
ولا بناء المساجد عليها ؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور ، كما قد وقع
ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور ، وقد ثبت
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة
والسلام ...
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على
القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب
الشرك بأربابها ...
وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده
عن المسجد ، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد
وإزالته ؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من
بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك ، ونهى أمته عن مشابهتهم ،
وقال لعلي رضي الله عنه : (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) "
انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 337 ، 338 ) .
وعلى هذا فينظر
في المكان الذي بني عليه المسجد ، إن كان تحت أرضية المسجد قبور ، فلا تجوز الصلاة
فيه ، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه .
والله أعلم