توفي قريب لأحد معارفي منذ فترة ، وبعدها بفترة وجيزة توفي له
قريب آخر ، فبعدها بفترة طويلة عندما كنا نتحدث عنهما قلت له وبلا قصد : يبدو أن
هناك ثأرا ما بين عائلتكم وبين ملك الموت ، على سبيل المزاح ، فهل يعتبر هذا كفرا
بالله ؛ لأني قلت هذا على أحد ملائكة الله ، أم ماذا ، وماذا أفعل ؟
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه ، فلا
يتكلم بما يغضب الله تعالى ، ورُبَّ كلمة يتكلم بها الإنسان ، وهو لا يظن أن لها
شأناً ، تكون سبب هلاكه وعذابه ، والعياذ بالله .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا
يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ
الْمَشْرِقِ) رواه البخاري (6477) ومسلم (2988).
وفي رواية الترمذي (2314) :
(إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي
بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وعن
بلال المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (وَإِنَّ أَحَدَكُمْ
لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا
بَلَغَتْ ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)
رواه الترمذي (2319) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والإيمان بالملائكة
وإجلالهم وتقديرهم من أركان الإيمان الستة ، وملك الموت لا يتصرف إلا بما يأمره
الله به ، كما قال عز وجل : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ
عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ
رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) الأنعام/61 .
فهم موكلون من الله عز وجل
بتقدير حكيم ، وليس ذلك عن ثأر ولا عن بغض أو انتقام – تعالى الله عن ذلك - : قال
الله سبحانه وتعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ
بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة/11 .
وقد ذكر أهل العلم أن
الاستهزاء بالملائكة أو بأحد منهم كفر ، وخروج عن الإسلام واستدلوا بقول الله عز
وجل : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ
مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة/65-66
.
قال ابن حزم رحمه الله :
" وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى ، أو
بملك من الملائكة ، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام ، أو بآية من القرآن ، أو
بفريضة من فرائض الدين ، فهي كلها آيات الله تعالى ، بعد بلوغ الحجة إليه ، فهو
كافر " انتهى .
"الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/142) .
وقال أيضا :
"
كل من سب الله تعالى أو استهزأ به ، أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به ، أو سب
نبيا من الأنبياء أو استهزأ به ، أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها ،
والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى ، فهو بذلك كافر ، مرتد ، له حكم المرتد
" انتهى .
"المحلى" (11/413) .
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله :
" يكفر
بعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به " انتهى .
"البحر الرائق" (5/131)
.
بل ذكر بعض العلماء أنه يكفر مَن تكلم بما فيه مجرد إشعار بالاستهزاء والسخرية
.
قال ابن نجيم الحنفي :
"ويكفر بقوله لغيره : " رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت
" عند البعض ، خلافاً للأكثر " انتهى .
والكلمة التي تكلمت بها فيها شيء من
الاستهزاء بملك الموت ، فعليك التوبة منها والاستغفار ، وسؤال الله تعالى العفو
والعافية ، والعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى ، وتجديد إيمانك بالنطق بالشهادتين
، وأكثر من الأعمال الصالحة – الصدقة وغيرها – فإن الله تعالى يقبل توبة من تاب
إليه .
والله أعلم .