أريد أن أسأل عن حكم الإيمان بالمعتقدات التي يؤمن
بها بعض الناس ، كأن يلعبوا بالماء ، أو أن يرشوا بعضهم بالماء ، فيعتقدون
أنه يسبب بذلك الفراق لهم ، أو أن يعتقدوا عند العبث بالمقص كفتحه وإغلاقه
بدون سبب ، أنه يسبب حدوث مشاكل في البيت لدى العائلة ، أو الإيمان عندما
تعبر فوق طفل صغير بأنه لن يطول ويؤثر عليه .
فما حكم هذه المعتقدات ؟ .
الحمد لله
أولاً:
هذه الخرافات – وأمثالها كثير – هي من باب الشؤم المنهي عنه في الشرع
المطهَّر ،
وخرافات الناس في هذا الباب لا حصر لها ، فمنهم من يتشاءم بمرئي – كرؤية
البومة
والقط الأسود - ، ومنهم من يتشاءم بمسموع – كسماع صوت البومة والغراب - ،
وحتى لو
كان المرئي أو المسموع آية من كتاب الله تُرى في المصحف ، أو تُسمع من قارئ
! كآية
وعيد أو عقاب ، ومنهم من يتشاءم بعدد – كالتشاؤم من رقم 13 - ، أو زمان –
كالتشاؤم
من يوم الأربعاء ، أو من شهر شوال إذا أراد الزواج فيه - ، أو مكان –
كالتشاؤم من
مكان حصل فيه جريمة - ، أو صفة شخص – كالتشاؤم من الأعرج والأعمى - ، أو
حال إنسان
– كالتشاؤم من رؤية فقير أو محتاج - .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي
الْفَأْلُ ،
قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ ).
رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
الطيَرَةُ شِرْك
) .
رواه الترمذي ( 1614 ) وأبو داود ( 3910 )
وابن ماجه ( 3538 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –
رحمه الله - :
وقوله : ( الطِّيَرَة ) على وزن فِعَلَة ، وهي اسم مصدر تطيَّر ، والمصدر
منه :
تطيُّر ، وهي التشاؤم بمرئي ، أو مسموع ، وقيل : التشاؤم بمعلوم مرئيّاً
كان ، أو
مسموعاً ، زماناً كان أو مكاناً ، وهذا أشمل ؛ فيشمل ما لا يُرى ، ولا
يُسمع ؛
كالتطير بالزمان .
وأصل التطيُّر : التشاؤم ، لكن أضيفت إلى الطير ؛ لأن غالب التشاؤم عند
العرب
بالطير ، فعلقت به ، وإلا فإن تعريفها العام : التشاؤم بمرئي ، أو مسموع ،
أو معلوم
.
وكان العرب يتشاءمون بالطير ، وبالزمان ، وبالأشخاص ، وهذا من الشرك كما
قال النبي
صلى الله عليه وسلم .
والإنسان إذا فَتَحَ على نفسه باب التشاؤم : ضاقت عليه الدنيا ، وصار يتخيل
كل شيء
أنه شؤم ، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له
إلا عين
واحدة : تشاءم ، وقال : اليوم يوم سوء ، وأغلق دكانه ، ولم يبع ، ولم يشتر -
والعياذ بالله - ، وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء ، ويقول : إنه يوم نحس
وشؤم ،
ومنهم من يتشاءم بشهر شوال ، ولا سيما في النكاح ، وقد نقضت عائشة رضي الله
عنها
هذا التشاؤم ، بأنه صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال ، وبنى بها في
شوال ؛
فكانت تقول: " أيكن كان أحظى عنده مني ؟ " –
رواه
مسلم
- ، والجواب : لا أحد .
فالمهم : أن التشاؤم ينبغي للإنسان أن لا يطرأ له على بال ؛ لأنه ينكد عليه
عيشه ؛
فالواجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يعجبه الفأل – رواه
البخاري
ومسلم - ، فينبغي للإنسان أن يتفاءل بالخير ، ولا يتشاءم ، كذلك بعض الناس
إذا حاول
الأمر مرة بعد أخرى تشاءم بأنه لن ينجح فيه فيتركه ، وهذا خطأ ؛ فكل شيء
ترى فيه
المصلحة : فلا تتقاعس عنه في أول محاولة ، وحاول مرة بعد أخرى ، حتى يفتح
الله عليك
.
" القول المفيد شرح كتاب التوحيد " ( 2 / 39
– 41 ) ، و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 515 ، 516 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -
:
وذكر البيهقي في " الشعب " عن الحليمي ما ملخصه :
كان التطير في الجاهلية في العرب : إزعاج الطير عند إرادة الخروج للحاجة
... .
وهكذا كانوا يتطيرون بصوت الغراب ، وبمرور الظباء ، فسموا الكل تطيُّراً ؛
لأن أصله
الأول .
قال :
وكان التشاؤم في العجم : إذا رأى الصبي ذاهباً إلى المعلم : تشاءم ، أو
راجعاً :
تيمَّن ، وكذا إذا رأى الجمل موقراً حملاً : تشاءم ، فإن رآه واضعاً حمله :
تيمَّن
، ونحو ذلك .
فجاء الشرع برفع ذلك كله .
" فتح الباري " ( 10 / 215 ) .
ولم يُذكر التطير في القرآن الكريم إلا عن أعداء الرسل ، وهو يدل على أن
فاعله
ومعتقده فيه من جاهلية هؤلاء ، بقدر ما عنده في هذا الباب .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
ولم يحك الله التطير إلا عن أعداء الرسل ، كما قالوا لرسلهم ( إِنَّا
تَطَيَّرْنَا
بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ
مِنَّا
عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ
أَنْتُمْ
قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) يس/18،19
، وكذلك حكى الله سبحانه عن قوم فرعون ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ
يَطَّيَّرُوا
بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ )
الأعراف/131
.
" مفتاح دار السعادة " ( 3 / 231 ، 232 ) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –
عن أهل الجاهلية - :
وكان أكثرهم يتطيرون ، ويعتمدون على ذلك ، ويصح معهم غالباً ، لتزيين
الشيطان ذلك ،
وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين .
" فتح الباري " ( 10 / 213 ) .
وقد نبَّه العلماء – أيضاً – على بعض الخرافات المنتشرة بين الناس مما
يتشاءمون به
في حدوث قطيعة أو فساد أو طلاق .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
قد حصل مني عند عقد الزواج فرقعة إصبع ، وأنا جاهل في أن فرقعة الأصابع
وتشبيك
الأصابع يضعن تعقيداً للزواج ، وبعد أن علمتُ خجلتُ أن أسأل ، وأنا لي
ثلاثة أطفال
، ومدة زواجي سبع سنوات ، فماذا أفعل ؟ هل أعقد عقداً جديداً أو ماذا أفعل ؟
.
فأجابوا :
إذا كان الواقع كما ذكرتَ : فلا تأثير لما ذكرتَ من تشبيك الأصابع ،
وفرقعتها حين
إجراء عقد النكاح ، فلا أثر لذلك على العقد ، بل هو صحيح ، ولا تحتاج إلى
إعادته ،
واترك التشاؤم مما ذكرتَ ومن غيره ؛ لأنه مناف للإسلام .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن
غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 114 ) .
وكل ما جاء في السؤال فهو من الباب
نفسه الذي أدخل الشيطان منه كثيراً من الناس ، فجعلهم يتشاءمون من أشياء لا
تأثير
لها على واقعهم ، فلا يزال المسلمون يسبحون ويرشون بعضهم بعضاً بالماء ،
ويلعب
الأطفال في برك السباحة ، ولا يُعلم تأثير ذلك عليهم سلباً ، ومثله يقال في
خرافة
فتح وإغلاق المقص ، والعبور فوق الطفل ، وقص الأظافر ليلاً ، وكنس البيت
بالليل ،
والامتناع عن الغسيل يوم الاثنين ، وغير ذلك مما لا حصر له من خرافاتهم
وأوهامهم
التي تخوفهم مما لا يُخاف منه ، وتُبعدهم عن العمل والتفاؤل ، وتنقض توكلهم
على
ربهم تعالى .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
التطير هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع ، فإذا استعملها الإنسان
فرجع بها من
سفره ، وامتنع بها مما عزم عليه : فقد قرع باب الشرك ، بل ولجه ، وبرئ من
التوكل
على الله ، وفتح على نفسه باب الخوف ، والتعلق بغير الله ، والتطير مما
يراه ، أو
يسمعه ، وذلك قاطع له عن مقام ( إياك نعبد وإياك نستعين ) و ( فاعبده وتوكل
عليه )
و ( عليه توكلت وإليه أنيب ) ، فيصير قلبه متعلقا بغير الله ، عبادة ،
وتوكلا ،
فيفسد عليه قلبه ، وإيمانه ، وحاله ، ويبقى هدفاً لسهام الطيرة ، ويساق
إليه من كل
أوب ، ويقيض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ، ودنياه ، وكم هلك بذلك
وخسر
الدنيا والآخرة ، فأين هذا من الفأل الصالح ، السار للقلوب ، المؤيد للآمال
،
الفاتح باب الرجاء ، المسكن للخوف ، الرابط للجأش ، الباعث على الاستعانة
بالله ،
والتوكل عليه ، والاستبشار ، المقوي لأمله ، السار لنفسه ؟ ، فهذا ضد
الطيرة ،
فالفأل : يفضي بصاحبه إلى الطاعة ، والتوحيد ، والطيرة تفضي بصاحبها إلى
المعصية ،
والشرك ، فلهذا استحب صلى الله عليه و سلم الفأل ، وأبطل الطيرة .
" مفتاح دار السعادة " ( 2 / 246 ، 247 ) .
ثانياً:
ولعلاج هذا التشاؤم الذي يوسوس به الشيطان ويزينه لأصحابه :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم (
الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ
بِالتَّوَكُّلِ
.
رواه الترمذي ( 1614 ) وأبو داود ( 3910 )
وابن ماجه (3538 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن عبد البر - رحمه الله - :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( نهى عن التطير ) ، وقال ( لا طِيَرة
) ؛
وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتطيرون ، فنهاهم عن ذلك ، وأمرهم بالتوكل على
الله ؛
لأنه لا شيء في حكمه إلا ما شاء ، ولا يعلم الغيب غيره .
" التمهيد " ( 24 / 195 ) .
عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله
عليه
وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ) قالوا : يا
رَسُولَ
اللَّهِ ما كَفَّارَةُ ذلك ؟ قال ( أن يَقُولَ أَحَدُهُمْ : اللهم لاَ
خَيْرَ إلا
خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إلا طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) .
رواه أحمد ( 7045 ) وصححه الألباني في "
السلسلة الصحيحة " ( 3 / 53 تحت الحديث 1056 ) .
قال المنَّاوي – رحمه الله - :
فينبغي لمن طرقته الطيرة أن يسأل الله تعالى الخير ، ويستعيذ به من الشر ،
ويمضي في
حاجته متوكلا عليه .
" فيض القدير " ( 6 / 136 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
– رحمه الله - :
وقوله : ( فلا خير إلا خيرك ) : هذا الحصر حقيقي ، فالخير كله من الله ،
سواء كان
بسبب معلوم ، أو بغيره .
وقوله : ( لا طير إلا طيرك ) : أي : الطيور كلها ملكك ؛ فهي لا تفعل شيئاً ،
وإنما
هي مسخرة ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ
صَافَّاتٍ
وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
بَصِيرٌ) الملك/19
، وقال تعالى : ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ
السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ
لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ ) النحل/79
، فالمهم : أن الطير مسخرة بإذن الله ؛
فالله تعالى هو الذي يدبرها ، ويصرفها ، ويسخرها ، تذهب يميناً وشمالاً ،
ولا علاقة
لها بالحوادث .
ويحتمل أن المراد بالطير هنا : ما يتشاءم به الإنسان ، فكل ما يحدث للإنسان
من
التشاؤم والحوادث المكروهة : فإنه مِن الله ، كما أن الخير من الله ؛ كما
قال تعالى
: ( ألا إنما طائرهم عند الله ) الأعراف/131
.
لكن سبق لنا أن الشر في فعل الله ليس بواقع ، بل الشر في المفعول ، لا في
الفعل ،
بل فعله تعالى كله خير ، إما خير لذاته ، وإما لما يترتب عليه من المصالح
العظيمة ،
التي تجعله خيراً .
فيكون قوله : ( لا طير إلا طيرك ) مقابلا لقوله : ( ولا خير إلا خيرك ) .
" القول المفيد شرح كتاب التوحيد " ( 2 /
117 ، 118 ) ، و " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 578 ) .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه
الله - :
فالحاصل؛ أن الطيرة تعالج بهذه الأمور الثلاثة :
أولا : التوكل على الله .
ثانيا : المضي وعدم التأثر بها ، ولا تظهر على تصرفاتك ، وما كأنها وجدت .
والثالثة : أن تدعو بهذه الدعوات الواردة في الأحاديث ، فإذا دعوت الله
بهذه
الدعوات : فإن الله يعافيك من الطيرة ، ويمدك بإعانته ، ونصره ، وتوفيقه .
" إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد " ( 2 /
14 ) .
والله أعلم
1. التوكل على الله حق التوكل .
2. أن يمضي في حاجته ، ولا يتأخر ،
ولا يرجع .
3. أن يدعو الله تعالى بأن يخلِّصه من كيد الشيطان بها ، ويسأله تعالى
الخير ،
ويستعيذ به من الشر .