السؤال:
ما صحة حديث : ( سلوا الله الفردوس ، فإنها سرة الجنة ، وإن أهل الفردوس
يسمعون أطيط العرش ) وما معنى أطيط العرش ، وما هي الفردوس ، وما ميزتها عن
الجنة ؟
وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا : نص الحديث
هذا الحديث يُروَى عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
(
سَلُوا اللَّهَ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهَا سُرَّةُ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ
أَهْلَ
الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ الْعَرْشِ )
ثانيا : معاني مفردات الحديث
الأطيط : صوت الرحال إذا ثقل عليها الركبان . انظر: " لسان العرب " (1/
92)، مادة :
أطط.
سرة الجنة : أي وسطها وجوفها ، من " سرة " الإنسان ، فإنها في وسطه .
ثالثا : تخريج الحديث
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/246) – ومن طريقه أبو نعيم في " صفة
الجنة "
(رقم/469)-،
ورواه الروياني في " المسند " (رقم/1265)،
وابن بطة في " الإبانة " (3/176)، وعثمان بن أبي شيبة في كتاب " العرش "
(رقم/12)
وغيرهم .
جميعهم من طريق جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة .
رابعا : الحكم على الحديث
إسناد الحديث ضعيف جدا بسبب جعفر بن الزبير ، اتفق الأئمة على ترك حديثه ،
حتى
روى علي ابن المديني عن غندر : رأيت شعبة راكبا على حمار ، فقيل له : أين
تريد يا
أبا بسطام ؟ قال : أذهب فأستعدي على هذا - يعنى جعفر بن الزبير -، وَضَعَ
على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة حديث كذب . انظر : " تهذيب التهذيب "
(2/92)
ولذلك ضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/3705)، وضعف كل
الأحاديث
التي ورد فيها " أطيط العرش "، وانظر: (رقم/866، ورقم/6329)
وقال الإمام الذهبي رحمه الله :
"
الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل ، فذاك صفة للرحل
وللعرش ،
ومعاذ الله أن نعده صفة لله ، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت ، وقولنا في
هذه الأحاديث أننا نؤمن بما صح منها ، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره ،
فأما
ما في إسناده مقال ، أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله ، فإننا لا نتعرض
له بتقرير
، بل نرويه في الجملة ونبين حاله " انتهى.
"
العلو " (ص/45) طبعة مكتبة أضواء السلف ، وفي (1/415-416) من طبعة دار
الوطن بتحقيق
الدكتور عبد الله بن صالح البراك .
ويقول الدكتور محمد خليفة التميمي :
"
وأما مسألة الأطيط : فلم يثبت في المسألة نص صحيح "
انتهى.
تحقيق كتاب " العرش " لابن أبي شيبة (ص/335)
وخالف في ذلك آخرون من أهل العلم ، كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن
القيم ،
فقالوا بتصحيح حديث محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن جبير بن محمد بن
جبير بن
مطعم ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن عرشه
لعلى
سماواته وأرضه ، وإنه ليئط أطيط الرحل بالراكب ) ، وهو حديث آخر غير
المذكور ، لكنه
يشترك معه في ذكر " الأطيط " . ولكن مع تنزيه الله عز وجل أن يحمله شيء من
خلقه ،
أو يحتاج إلى شيء من خلقه ، سبحانه ؛ وإنما هذا اللفظ هي من جزء من حديث
أشمل من
ذلك ، سيق لبيان عظمة الله جل جلاله ، والإشارة إلى شيء من ملكوته ودلائل
قدرته
وعظمته ؛ فالسياق قاطع في بيان العظمة والقدرة ، لا الحاجة إلى شيء من
الخلق ، جل
جلاله سبحانه ، وتقدست أسماؤه .
خامسا : ما هي الفردوس ، وأين مكانها في الجنة ؟
يقول الدكتور محمد خليفة التميمي وفقه الله :
" على الرغم من ضعف الحديث من حيث إسناده ، إلا أن ما جاء فيه من قوله : (
سلوا
الله جنة الفردوس فإنها سرة الجنة ) له شاهد من حديث أخرجه البخاري في "
صحيحه " ،
كتاب التوحيد ، باب : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )، عن أبي هريرة
رضي الله
عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إن في الجنة مائة
درجة
أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء
والأرض ، فإذا
سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه وسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش
الرحمن ،
ومنه تفجر أنهار الجنة )
واسم الفردوس : قد يطلق ويراد به جميع الجنة .
وقد يطلق ويراد به : أفضل الجنة وأعلاها ، كما في هذا الحديث .
وكأنه بهذا المعنى أحق وأصوب ، قال تعالى : ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
المؤمنون/10-11، وقال
تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ
لَهُمْ
جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ) الكهف/107.
والفردوس في اللغة : البستان .
قال الفراء : أصل اللفظ عربي . وقال مجاهد : هو البستان بالرومية ، واختاره
الزجاج
.
وأما ما جاء في وصف الفردوس من كونه : ( وسط الجنة وأعلى الجنة ):
فالحافظ ابن حجر يقول : " المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل : كقوله تعالى
: (
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا ) البقرة/143، فعلى هذا عطف
الأعلى عليه
للتأكيد .
وقال الطيبي : المراد بأحدهما العلو الحسي ، وبالآخر العلو المعنوي .
وقال ابن حبان : المراد بالأوسط السعة ، وبالأعلى الفوقية .
والصواب أن تفسير الأوسط على المعنى المعنوي لا المكاني لا يساعد عليه ظاهر
النص ،
ذلك أن ظاهر النص ينص على أن الفردوس هو وسط الجنة وأعلاها ، بمعنى أن
الفردوس هو
ربوة الجنة ، وأن الجنان الأخرى عن جوانبه ومن تحته ، وهو أعلاها .
قال قتادة : الفردوس ربوة الجنة ، وأوسطها ، وأعلاها ، وأفضلها ، وأرفعها .
ويدل على ذلك قوله في الحديث : ( وفوقه عرش الرحمن )، فليس فوق الفردوس إلا
عرش
الرحمن سبحانه وتعالى ، كما يدل عليه أيضا قوله : ( ومنه تفجر أنهار الجنة
)؛ لأن
الأنهار عادة تنبع من الأعلى . والله أعلم .
وهذه الصفة أي : كون وسط الشيء أعلاه- لا تتصور إلا في المقبب ، فإن أعلى
القبة هو
أوسطها ، فالجنة والله أعلم تكون كذلك . انظر: "فتح الباري": (6/ 13)،
"حادي
الأرواح": ص 74، 75، "لسان العرب": (2/ 1069)، "النهاية" لابن كثير:
(2/233) "
انتهى .
النقل عن الدكتور محمد خليفة التميمي في تحقيقه لكتاب " العرش " لعثمان بن
أبي شيبة
(ص/335)
والله أعلم .