سمعت أن النجاسة
إذا أصابت الثوب بأقل من قدر الدرهم فهي معفو عنها ، فهل ينطبق هذا على كل
النجاسات من بول ومذي والحيض بالنسبة للمرأة ؟
بسم الله ، والحمد لله
، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالفقهاء قد اختلفوا
في القدر المعفو عنه من النجاسات ، واتفقوا على أن اليسير من دم الحيض
والنفاس يعفى عنه، وهو قدر الدرهم عند أكثرهم، وأما غيره من النجاسات
كالبول والمذي ففيه خلاف :
فيرى الحنفية أنها مثل
دم الحيض .
والمالكية والشافعية
والحنابلة يرون أن لا يعفى عن هذا القدر من النجاسة إلا في الدماء فقط
كالصديد والقيح ، وأما غيرها من النجاسات فلا يعفى عنها ، واشترط الشافعية
في العفو عن اليسير من الدم أن لا يتعمد الإنسان خروجه ، وأن لا يختلط بدم
غيره، وأن لا يتجاوز مخرجه ، وأن يكون في الثوب الذي يحتاج إلى لبسه في
الصلاة .
واشترط الحنابلة أن يكون دم حيوان طاهر سواء كان يأكل لحكمه
كالبقر والغنم ، أو لا يؤكل كالآدمي والقط .
فإذا زادت النجاسة عن
قدر الدرهم وجب غسلها عند الجميع ، ويعفى عن أثرها بعد الغسل كلونها أو
رائحتها إذا أزيلت عينها.
جاء في الموسوعة
الفقهية الكويتية :
اختلفت آراء الفقهاء فيما يعفى عنه من النجاسات ،
كما اختلفت آراؤهم في التقديرات التي تعتبر في العفو:
فذهب الحنفية إلى
التفرقة بين النجاسة المخففة والنجاسة المغلظة وقالوا : إنه يعفى عن
المغلظة إذا أصابت الثوب أو البدن بشرط أن لا تزيد عن الدرهم ، قال
المرغيناني ـ من الحنفية ـ : وقدر الدرهم وما دونه من النجس المغلظ كالدم
والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار جازت الصلاة معه . أما النجاسة
المخففة فقد اختلفوا في القدر الذي يعفى عنه منها على روايات :
قال
المرغيناني : إن كانت كبول ما يؤكل لحمه جازت الصلاة معها حتى يبلغ ربع
الثوب . وقال الكاساني ـ من الحنفية ـ : حد الكثير الذي لا يعفى عنه من
النجاسة الخفيفة هو : الكثير الفاحش.
وفرق المالكية بين
الدم - وما معه من قيح وصديد - وسائر النجاسات ، فيقولون : بالعفو عن قدر
درهم من دم وقيح وصديد ، والمراد بالدرهم الدرهم البغلي وهو الدائرة
السوداء الكائنة في ذراع البغل ، قال الصاوي : إنما اختص العفو بالدم وما
معه، لأن الإنسان لا يخلو عنه ، فالاحتراز عن يسيره عسر دون غيره من
النجاسات كالبول والغائط والمني والمذي .
وذهب الشافعية إلى
العفو عن اليسير من الدم والقيح وما يعسر الاحتراز عنه وتعم به البلوى ،
كدم القروح والدمامل والبراغيث وما لا يدركه الطرف ، وما ليس له نفس سائلة ـ
أي ما ليس في جسمه دم يسيل بالجرح ـ، وغير ذلك .
ويقيد الشافعية العفو
عن يسير الدم بقيود : فإن لم يخرج بفعله ولم يختلط بدم أجنبي ، ولم يجاوز
محله عفي عنه ، وإلا فلا ،ومحل العفو عن يسير الدم في الثوب عندهم إن احتاج
إليه الإنسان ولو للتجمل وكان ملبوسا ، بخلاف ما لو لم يحتج إليه وما لو
فرشه وصلى عليه أو حمله وصلى به فلا يعفى عنه .
وأما الحنابلة
فقد صرحوا بأنه لا يعفى عن يسير نجاسة ـ وظاهر مذهب أحمد أن اليسير ما لا
يفحش في القلب ـ وإنما يعفى عن يسير الدم وما يتولد منه من القيح والصديد
إلا دم الحيوانات النجسة فلا يعفى عن يسير دمها كسائر فضلاتها ، ولا يعفى
عن الدماء التي تخرج من القبل والدبر، لأنها في حكم البول أو الغائط .
وقيدوا
العفو عن يسير الدم بأن يكون من حيوان طاهر في الحياة ، آدميا كان أو غيره
، يؤكل كالإبل والبقر أو لا كالهر ( القط ) ، بخلاف الحيوان النجس كالكلب
والبغل والحمار فلا يعفى عن شيء مما ذكر منه ، ولا يعفي عن يسير الدم
الخارج من السبيلين على الوجه الصحيح عند الحنابلة . وفي الوجه الثاني يعفى
عن يسيره . كما يعفى عن يسير دم الحيض وكذا دم النفاس على الوجه الصحيح
عند الحنابلة. (انتهى).
والله أعلم