محمودعلى ـــــــــــــــــــــــ
عدد المساهمات : 923 نقاط : 2711 تاريخ التسجيل : 24/04/2010 الموقع : MAHMOUD_TOTO2010XB المزاج : اخر روقان
| موضوع: احذر نافخ الكير! السبت يونيو 12, 2010 1:42 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم =====
احذر نافخ الكير!
يقول الله سبحانه وتعالى:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً). [سورة الفرقان، الآية: 29].
إنّها من صور الندم يوم القيامة؛ صورة تبيّن عاقبة كل من أطاع خليله وانحدر مع رفقائه إلى أوحال المعصية، وفضّل طريقتهم ونهج حياتهم على حكم الله وطاعته.
إنّ النادم مهما بلغ ندمه لا يعضّ إلا أصبعاً واحدة، لكنه في هذا اليوم يبوح بندم يجعله يعضّ أصابع يديه كلها، إظهاراً لما في القلب من الآهات، وإعلاناً للندم على ما سلف وفات.
هذا عُقبة بن أبي معيط يدعو النبي صلى اله عليه وسلّم إلى طعامه، فيأبى عليه الصلاة والسلام حتى يُسْلِم، وقد استجاب عقبة فأسلم حميّةً، فأتاه أُبيّ بن خلف، فما زال يلومه على إسلامه حتى عاد مرتداً!.
وقال أُبي: لا أقبل منك حتى تأتي محمداً وتبصق في وجهه! ففعل الشقي (عقبة) ما طُلب منه! فأهدر النبي دمه وقتل في بدر، فنـزل قوله تعالى:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً). [سورة الفرقان، الآية: 29].
إنه الشقاء والعناء والخذلان والحسرات، فقد كانت هداية الله بين يديه، لكنه فضّل طاعة الصاحب على طاعة النبي الكريم، وفضل الغواية على الهداية!.
وحتى لا يُظنّ أن الحادثة خاصّة، جاءت كلمة(فلاناً) هكذا بالإبهام دون ذكر للأسماء، ليشمل كل صحبة وكل خلة صدت عن ذكر الله. وعلى فرض ثبوت سبب النـزول، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
إنها قضية جوهرية في حياتنا، فنحن لا نستغني عن الصاحب، والإنسان لا يعيش بمعزل عن الناس، فعلى المؤمن الحصيف أن ينظر في شأن صداقاته وأهل مجالسته، وأن يعيد النظر، فلا يصاحب ويخالل كل أحد يلقاه؟!.
إن خطر الصداقة بعيد وأثره كبير، أوله في الدنيا ونهايته في الآخرة، فأعظم تأثير للصديق في صديقه هو في دينه كما قال صلى اله عليه وسلّم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
إنّنا نعلم قدر الصحبة في حياة الناس وخاصة الشباب، ونشعر بتأثيرها في مسيرتهم، ومع هذا فعليهم ألا يغتروا بالمدح، وبالكلمات المعسولة، والضحكات الرنانة من ثلة ضائعة، لأخلاقها بائعة، فليست المصالح في الدنيا فحسب، فمصالح الآخرة أعظم وأهم.
وإن العاقل يحكّم دينه لا نزوته، وعقله لا شهوته. فساعات الأنس في لعب الورق والمشاهدة، والسفر والمسامرة، واللقاء والمنادمة، هي ساعات من العمر الذي سيُسأل عنه العبد، والأيام التي عليها سيحاسب.
ولنتأمل هذه الكلمة الرائعة، قيل لأحد السلف: "ما رأيك في الرجل يقول الشعر؟! قال: هو عمرك فأفنه بما شئت".
وكتب الأوزاعي إلى أخٍ له: "أما بعد، فإنه قد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسار بك كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه".
إنّ رفقاء السوء خطر داهم، وشر دائم، هم وإن ضحكوا لك ضحكوا عليك، وإن نَمُّوا لك نَمُّوا عليك، وإن غبت جعلوا عرضك فاكهة لمجلسهم، لقاؤهم تلاعن، وحديثهم فجور، وتسامرهم تنابز، وفي الآخرة لوم ومؤاخذة:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ* وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ). [سورة الصافات، الآيات: 24- 35].
وإذا كانوا يتلاعنون في الدنيا أحياناً، ويكثر شقاقهم، فإن الصورة ذاتها تتكرر يوم القيامة:(قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ). [سورة الأعراف، الآية: 38].
وفي محاورة بين من صدوا عن دين الله وأتباعهم: (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ). [سورة ص، الآية: 61]. ثم هم يسألون عن الأخيار الأبرار الذين سخروا بهم في الدنيا: (وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ). [سورة ص، الآيات: 62- 64].
إنّ رفقاء السوء إذا انقطعت أواصر محبتهم الخادعة، اظهروا العداء، وذكروا كل سيئة، ونشروا كل فضيحة، ونسوا كل إحسان:
يقول أبو حاتم: "العاقل لا يصاحب الأشرار، لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار، تعقبها الضغائن، لا يستقيم وده، ولا يفي بعهده".
أما رفقاء الخير، وصحبة الإيمان فهم يذكرون المعروف، ويحفظون الغيبة، فمخافة الله تحجبهم عن نشر سرك، أو الحديث في عرضك. وترى الكريم إذا تقادم وصـله
يخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللئيـم إذا تقضى وصله
يخفي الجمـيل ويظهر البهتانا
وحسبنا ما قاله النبي الكريم في شان رفقة السوء: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة".
ومن ضرر رفقاء السوء: أن يُؤخذ الإنسان بجريرتهم، فيُساء به الظن، وتتلوث سمعته، ولو لم يعمل عملهم. أنـــت في الناس تقاس
بالذي اختـــرت خليلاً
فاصحـب الأخيار تعلـو
وتنـل ذكــراً جميــلاً
وإن لحقتهم عقوبة فربما لحقتك معهم قال تعالى:(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). [سورة الأنفال، الآية: 25].
وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى اله عليه وسلّم: "أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثُر الخبث".
إن دين المرء وأخلاقه هي رأس ماله، فعلى المؤمن ألا ينقاد لقرناء السوء، فإنّ الجلوس معهم يجلب التعاسة والهموم، والخصومة والغموم، ويوم القيامة عداوةً وتلاوم: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ). [سورة الزخرف، الآية: 67].
فإذا كان هذا شأن الأخلاء، والخلة أعظم درجات في المحبة فكيف بغيرهم؟!.
ولا تنس قوله صلى اله عليه وسلّم:"أيما قوم قاموا من مجلس لم يذكر الله فيه، كان عليهم من الله ترة". أي: حسرة وندامة.
إن أصحاب السوء ما زالوا بـ(أبي طالب) حتى جعلوه يموت على الكفر، يقولون: أتترك دينك ودين آبائك؟!، ورسول الله صلى اله عليه وسلّم قائم على رأسه، يقول:"يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أُحاجُّ لك بها عند الله".
ولذا فإنّ الحذر واجب من أمثال هؤلاء: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). [سورة الأنعام، الآية: 68].
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
بقلم د.محمد بن عبد الله الهبدان
| |
|