السؤال :
سؤالي بخصوص جنس الطفل ، ولقد قرأت إجابة سؤال بخصوص توظيف الخطة الغذائية ,
وقد تعجبت بالفعل حول كيفية الطرق الفعالة لتحديد جنس الطفل في الشهر
الثالث من الحمل ، أليس الله تعالى هو الذي يحدِّد جنس الطفل بغض النظر عن
تلك الأساليب التي يتم استخدامها لتحديده ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا
شك أن الله سبحانه وتعالى قد استأثر بعلم ما في الأرحام ، كما قال تعالى :
(اللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا
تَزْدَادُ
وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد/ 8 .
وقد
أخبر تعالى عن نفسه أنه هو الذي يخلق ما يشاء ، وأنه هو الذي يهب الإناث
والذكور .
قال
تعالى :
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ
لِمَنْ
يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ
ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ
قَدِيرٌ)
الشورى/ 49 ، 50.
قال
ابن كثير رحمه الله :
(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) أي : يرزقه البنات فقط .
(
وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ) أي : يرزقه البنين فقط .
(
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ) أي : ويعطي مَن يشاء مِن الناس
الزوجين
الذكر والأنثى ، أي : من هذا ، وهذا .
(
وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ) أي : لا يولد له .
فجعل الناس أربعة أقسام ، منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ،
ومنهم من
يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثاً ، ومنهم مَن يمنعه هذا وهذا ، فيجعله
عقيماً لا
نسل له ، ولا يولد له .
"
تفسير ابن كثير " ( 7 / 216 ) مختصراً .
ثانياً :
سبق
في جواب السؤال رقم ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])
أن نقلنا عن بعض الأطباء أنه يمكن تحديد جنس الجنين عن طريق اتباع الأم
نظاماً
غذائياً معيناً ، وهذا ـ إن ثبت ـ لا ينافى أن الله تعالى هو الخالق ، وهو
الذي يهب
الذكور والإناث .
وذلك لأن الله تعالى من حكمته أنه يجعل الشيء مرتبطاً بسببه ، كما أن الله
تعالى هو
الشافي ويجعل لذلك سبباً ، وهو تناول الدواء المناسب ، أو الدعاء والرقية .
والله تعالى هو المميت ويقدر لذلك أسباباً كالحوادث والأمراض وغيرها .
والله تعالى هو الرزاق ويقدر أسباب ذلك .
والله تعالى هو الذي ينزل المطر ويقدر أسباب ذلك من الرياح الباردة ، ووجود
السحاب
... إلخ .
والله تعالى هو الذي يخلق البشر ويقدر أسباب ذلك كالزواج ، فكذلك هو الذي
يخلق
الذكر والأنثى ، ويقدر أسباب ذلك أيضاً .
والإسلام ينظر إلى الأسباب نظرة وسطية بين النافي لها ، والمغالي فيها .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وإن كان الله تعالى قد جعل لها أسباباً ، فالسبب لا يستقل بنفسه ، بل لا
بد له من
معاون ، ولا بد أن يمنع المعارض المعوق له ، وهو لا يحصل ويبقى إلا بمشيئة
الله
تعالى , ولهذا قيل : " الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب
أن تكون
أسباباً نقص في العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع" انتهى .
"الفتاوى الكبرى" (5/231) .
فالسبب لا يثمر ما يراد منه إلا بمشيئة الله تعالى ، فقد تتبع الأم النظام
الغذائي
غير أن الله تعالى لا يقدر لها حصول ما تريد ، بل لا يكون إلا ما يريده
الله تعالى
.
ثالثاً :
يجب
التنبيه إلى أن هناك طرقاً لتحديد جنس المولود يسوَّق لها :
1.
منها ما يحتوي على خرافات وشعوذة – كالجدول الصيني - .
وينظر التفصيل فيه جواب السؤال رقم : ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])
.
2.
ومنها ما هو محرَّم مما يقتضي الكشف على العورات .
3.
ومنها ما هو بعيد عن الواقع العلمي ، وإنما هو محض تجارة .
ولا
يجوز في هذا الباب إلا ما كان مباحاً ، مثل :
استعمال نظام تغذية معين ، أو اختيار توقيت للجماع .
مع
التوكيد على ترك استعمال حتى هذه الأمور المباحة ، والتسليم بقضاء الله
وتقديره ،
وربط ذلك بضرورة ، أو حاجة ماسة ، ومع التنبيه على عدم التعلق بتلك الوسائل
، بل
يكون القلب معلقاً بالله تعالى متوكلاً عليه .
وقد
صدر قرار من "مجمع الفقه الإسلامي" يجلِّي الأمر ، ويوضحه ، وجاء فيه :
"الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد ، وعلى
آله
وصحبه ، أما بعد : فإن " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " برابطة العالم
الإسلامي ،
في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22 – 26 شوال
1428هـ ،
التي يوافقها 3 - 7 نوفمبر 2007م قد نظر في موضوع : " اختيار جنس الجنين " ،
وبعد
الاستماع للبحوث المقدمة ، وعرض أهل الاختصاص ، والمناقشات المستفيضة : فإن
"
المجمع " يؤكد على أن الأصل في المسلم التسليم بقضاء الله وقدره ، والرضى
بما يرزقه
الله من ولد ، ذكراً كان ، أو أنثى ، ويحمد الله تعالى على ذلك ، فالخيرة
فيما
يختاره الباري جل وعلا ، ولقد جاء في القرآن الكريم ذم فعل أهل الجاهلية من
عدم
التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى ، قال تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ
أَحَدُهُمْ
بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ
الْقَوْمِ
مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي
التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل/ 58 ، 59 ، ولا بأس أن يرغب
المرء في
الولد ذكراً كان ، أو أنثى ، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض
الأنبياء
بأن يرزقهم الولد الذكر ، وعلى ضوء ذلك : قرر " المجمع " ما يلي :
أولاً : يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية ، كالنظام الغذائي ،
والغسول
الكيميائي ، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة ؛ لكونها أسباباً مباحة لا
محذور فيها
.
ثانياً : لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين ، إلا في حال الضرورة
العلاجية في
الأمراض الوراثية ، التي تصيب الذكور دون الإناث ، أو بالعكس ، فيجوز
حينئذٍ التدخل
، بالضوابط الشرعية المقررة ، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة ،
لا يقل
عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول ، تقدِّم تقريراً طبيّاً بالإجماع
يؤكد أن
حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض
الوراثي ،
ومن ثمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك .
ثالثاً : ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات ،
والمراكز
الطبية التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية ، لتمنع أي مخالفة
لمضمون
هذا القرار ، وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة
والتعليمات في
ذلك .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
"قرار رقم : 112 (6/19)" .
والله أعلم