السؤال:
يقول الله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) البقرة/30،
نفهم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق سيدنا آدم لخلافة الأرض ، إذن لماذا
كانت قصة الشجرة والإغواء ؟
الجواب :
الحمد لله
لا
تعارض بين قضاء الله تعالى بخلق آدم عليه السلام لخلافة الأرض ، وبين قضائه
عز وجل
قصة الشجرة والإغواء ، فقد كانت حادثة أكله عليه السلام من الشجرة ونزوله
إلى الأرض
بعدها سببا مباشرا لتحقيق القضاء الأول بخلق آدم عليه السلام لعبادة الله
وخلافة
الأرض في طاعة الله تعالى ؛ فإن الله تعالى إذا قضى الشيء ، قضى له أسبابه
الموصلة
إليه ؛ فلا تعارض بين القضاء السابق ، وبين الأسباب الحسية أو الشرعية .
وقد
كان لهذا السبب – قصة الأكل من الشجرة – حكم عظيمة جليلة الله أعلم بها ،
ولكن
يمكننا تلمس بعضها فيما يبدو لنا ، فمن ذلك :
1-بداية التكليف : وذلك حين نهى الله عز وجل آدم عليه السلام من الأكل من
الشجرة ،
فابتدأ التكليف من حينئذ ، ليكون ذلك مقدمة للتكليف الذي يريده الله لبني
البشر
كلهم من خلال الشرائع التي أرسل الرسل بها .
2- معرفة العدو الحقيقي : الذي هو الشيطان الرجيم ، فقد كان سببا في خسارة
نعيم
الجنة لبني البشر في الدنيا ، وتأجيل ذلك للمؤمنين منهم إلى الآخرة ، فإذا
رأى بنو
آدم ما بلغه الشيطان بأبيهم عليه السلام بسبب أكلة واحدة من الشجرة ،
أدركوا أن ذلك
هو عدوهم الذي يستحق العداوة ، وأن الله تعالى هو وليهم الذي يستحق الطاعة
والعبادة
. قال الله تعالى : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا
تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ
اعْبُدُونِي
هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا
أَفَلَمْ
تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) سورة يس/60-62، وقال تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ
لَكُمْ
عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا
مِنْ
أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/6 .
3- تقرير مفهوم التوبة : ففي مسارعة آدم عليه السلام إلى التوبة والإنابة
والاستغفار تعليم لجميع بني البشر بما ينبغي أن يكونوا عليه إذا زلوا أثناء
ممارستهم خلافة الأرض ، فباب التوبة مفتوح ، والله سبحانه وتعالى يحب من
عباده إذا
أذنبوا أن يستغفروا ويتوبوا ، ولولا قصة الشجرة والغواية لما استقر مفهوم
التوبة في
قلوب البشر تقررا تاما .
يقول القرطبي رحمه الله:
"
لم يكن إخراج الله تعالى آدمَ من الجنة وإهباطه منها عقوبة له ؛ لأنه أهبطه
بعد أن
تاب عليه وقبل توبته , وإنما أهبطه إما تأديباً , وإما تغليظاً للمحنة .
والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك ,
وهي نشر
نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويترتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي , إذ
الجنة
والنار ليستا بدار تكليف , فكانت تلك الأكلة سبب إهباطه من الجنة ، ولله أن
يفعل ما
يشاء , وقد قال : (إني جاعل في الأرض خليفة)، وهذه منقبة عظيمة , وفضيلة
كريمة
شريفة , وقد تقدمت الإشارة إليها مع أنه خلق من الأرض ، وإنما أهبطه بعد أن
تاب
عليه ، لقوله ثانية : ( وقلنا اهبطوا ) " انتهى.
"
الجامع لأحكام القرآن " (1/321)
والله أعلم.