السؤال:
أين يكمن العدل في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس
يحاسبون ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا يشك مسلم أن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين ،
وأعدل
العادلين , وأنه تعالى لكمال عدله حرم الظلم على نفسه فقال
: (
وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف/ من الآية 49 ، وقال تعالى : (
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) النساء/ من الآية 40 .
ومن
كمال عدله تعالى : أنه لا يعذب أحداً
إلا بعد البلاغ ، وقيام الحجّة عليهم .
وانظر في ذلك جواب السؤال رقم : ( 1244 ) .
ثانياً:
اتفق أهل السنة والجماعة على أن أطفال المسلمين في الجنة ، وتقدم الحديث عن
ذلك ،
فانظره في جواب السؤال رقم : (
117432 ) .
ثالثاً:
من أصول الإيمان التي لا خلاف فيها بين الأمة ، ولا تردد أو تلجلج فيها :
ألا يعترض
العبد على أحكام ربه عز وجل ، ولا يتوقف في الشهادة لها بأن فيها الحكمة
البالغة ،
وحينذٍ فإنه لا يصير من المخاطبين بقوله تعالى : (
لا
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/ 23 .
قال
ابن كثير – رحمه الله - :
ثم
أخبر تعالى أنه لا يظلم أحداً شيئًا ، وإن كان قد هدى به من هدى من الغيِّ ،
وبصَّر
به من العمى ، وفتح به أعيناً عمياً ، وآذاناً صمّاً ، وقلوباً غُلفاً ،
وأضلَّ به
عن الإيمان آخرين ، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء ، الذي لا يُسْأل
عما يفعل
وهم يسألون ، لعِلمه ، وحكمته ، وعدله .
"
تفسير ابن كثير " ( 4 / 271 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"
وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، وَلَهُ
فِيمَا
خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ
وَخَاصَّةٌ ، وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ؛
لَا
لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ ، بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ
،
وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَمُ
الْحَاكِمِينَ ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ
مِنْ
الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا ، وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " انتهى
.
"مجموع الفتاوى" (8/79) .
ثالثاً:
وأما الحكمة من عدم محاسبة الأطفال فيقال فيها :1.
إن مناط التكليف عند الله هو البلوغ , ولذلك جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ
رضى الله
عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ
عَنْ
ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى
يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَكْبَرَ ) .
رواه أبو داود ( 4398 ) وابن ماجه ( 2041 ) والنسائي ( 3432 ) ، وصححه
الألباني في
" صحيح أبي داود " .
وهذا الطفل اخترمته المنية قبل البلوغ , فمن تمام عدل الله أنه لا يحاسَب .
ويبين ما ذهب طائفة من العلماء والمحققين – كالبخاري ، والنووي ، وغيرهما –
من أن
هذا الحكم مشترك مع أطفال المشركين كذلك –2.
الأصل أن الأطفال تبع لوالديهم ، كما جاء في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ
إِلاَّ
يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ
يُنَصِّرَانِهِ أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ
تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ) .
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي
فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ ) .
رواه البخاري ( 1293 ) .
ولما كان والداه على الإيمان – أو والده إن كانت أمُّه كتابية - : فهو تبع
لهما ,
ولما مات قبل مناط التكليف ناسب أن يدخل الجنة بلا حساب ، فدخوله الجنة
باعتباره
مسلماً ، وعدم حسابه باعتبار أنه لم يكن مكلَّفاً في الدنيا .3.
أن فيه كرامة لوالدي الطفل الصغير ، ورحمة بهم , وتطييباً لخاطرهم ، على
موت ولدهم
وهو صغير .
هذه
بعض الحِكَم , والأمر قد يحتمل وجود حكَم ، وغايات ، ومقاصد أخرى .
والله أعلم