ما حكم المني؟هل هو
طاهر أم نجس؟
الحمد لله والصلاة
والسلام على رسول الله
:ـ يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله
مني
الآدمي فيه أقوال ثلاثة :
أحدها : إنه نجس , كالبول , فيجب
غسله رطبا ويابسا من البدن والثوب . وهذا قول مالك , والأوزاعي ,
والثوري , وطائفة .
وثانيها : إنه نجس
, يجزئ فرك يابسه , وهذا قول أبي حنيفة , وإسحاق , ورواية عن أحمد
.
وثالثها : إنه
مستقذر , كالمخاط , والبصاق , وهذا قول الشافعي , وأحمد في المشهور
عنه , وهو الذي نصرناه , والدليل عليه وجوه :
أحدها : ما أخرج
مسلم , وغيره : عن عائشة قالت : { كنت أفرك المني من ثوب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه } . وروي في لفظ الدارقطني :
{ كنت أفركه إذا كان يابسا , وأغسله إذا كان رطبا } " .
فهذا نص في أنه ليس
كالبول نجسا يكون نجاسة غليظة . فبقي أن يقال : يجوز أن يكون نجسا :
كالدم , أو طاهرا : كالبصاق , لكن الثاني أرجح ; لأن الأصل وجوب
تطهير الثياب من الأنجاس قليلها وكثيرها , فإذا ثبت جواز حمل قليله في
الصلاة ثبت ذلك في كثيره , فإن القياس لا يفرق بينهما .
فإن قيل : فقد أخرج
مسلم في صحيحه : عن عائشة : " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يغسل المني , ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر
الغسل فيه } " . فهذا يعارض حديث الفرك في مني رسول الله صلى الله
عليه وسلم والغسل دليل النجاسة فإن الطاهر لا يطهر . فيقال : هذا لا
يخالفه ; لأن الغسل للرطب , والفرك لليابس , كما جاء مفسرا في رواية
الدارقطني , أو هذا أحيانا وهذا أحيانا , وأما الغسل فإن الثوب قد يغسل
من المخاط , والبصاق , والنخامة استقذارا لا تنجيسا ; ولهذا قال سعد
بن أبي وقاص , وابن عباس : أمطه عنك ولو بإذخرة فإنما هو بمنزلة
المخاط والبصاق .
الدليل الثاني : ما
روى الإمام أحمد في مسنده : بإسناد صحيح , عن عائشة قالت : { كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر , ثم يصلي
فيه , ويحته من ثوبه يابسا , ثم يصلي فيه } . وهذا من خصائص
المستقذرات , لا من أحكام النجاسات , فإن عامة القائلين بنجاسته لا
يجوزون مسح رطبه .
الدليل الثالث : ما
احتج به بعض أولينا , بما رواه إسحاق الأزرق , عن شريك , عن محمد بن
عبد الرحمن , عن عطاء , عن ابن عباس قال : { سئل النبي صلى الله
عليه وسلم عن المني يصيب الثوب ؟ فقال : إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق
, وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة } .
قال الدارقطني :
لم يرفعه غير إسحاق الأزرق , عن شريك , قالوا : وهذا لا يقدح ; لأن
إسحاق بن يوسف الأزرق أحد الأئمة . وروى عن سفيان , وشريك وغيرهما ,
وحدث عنه أحمد ومن في طبقته , وقد أخرج له صاحبا الصحيح , فيقبل رفعه
وما ينفرد به .
الدليل الرابع
: أن الأصل في الأعيان الطهارة , فيجب القضاء بطهارته حتى يجيئنا ما
يوجب القول بأنه نجس , وقد بحثنا وصبرنا فلم نجد لذلك أصلا , فعلم أن
كل ما لا يمكن الاحتراز عن ملابسته معفو عنه , ومعلوم أن المني يصيب
أبدان الناس , وثيابهم , وفرشهم بغير اختيارهم أكثر مما يلغ الهر في
آنيتهم
انتهى باختصار شديد وتصرف يسير من مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية
رحمه الله
والله أعلم